BOOK0702
الكتاب
خرافة التقدم والتخلف
المؤلف
دار النشر
دار الشروق للنشر
الطبعة
(7) 2023
عدد الصفحات
162
النوع
ورقي
تاريخ القراءة
09/16/2025
التصنيف
الموضوع
تفكيك خرافة الحضارة
درجة التقييم

خرافة التقدم والتخلف

لا يكتفي المفكر في تحليل الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي وحسب، بل يقرأ ما بين سطور هذا الواقع ليكشف عما خفي من خبايا، وليؤكد بأن (ليس كل ما يلمع ذهباً) كما في التعبير المجازي، وبأن الغرب كالذئب الذي لا يهرول عبثاً في أطماعه الذي تغذيه شهية مفتوحة على الشرق لا تشبع، وقد اتخذ ملامح الاستعمار الناعم، في حين يأنف العربي من كل ما هو عربي، ويتكالب بالمقابل على كل ما هو غربي وكفى!

والمؤلف وهو يطوّع قلمه للموازنة بين الفكر العميق والأسلوب الأقرب لمستوى القارئ العادي، فهو يقدم نقداً موضوعياً لمفهوم التقدم والتخلف كما يتصوره الوعي العربي والغربي على حد سواء، مشيراً إلى أن اعتبار أمة ما متقدمة أو متخلفة بالمعنى المطلق هو مفهوم على قدر من البساطة والتضليل معاً! فيوضح بأن التقدم في حد ذاته لا يعكس حالة مطلقة لمجتمع ما، بقدر ما يعبّر عن تراكم متفاوت لإنجازات تم تحقيقها على مستويات عدة، اجتماعية واقتصادية وفكرية وسياسية، مع الأخذ بعين الاعتبار إمكانية إحراز تقدم ما في جانب، مقابل تراجع ما في جانب آخر، الوضع الذي يعكس بالضرورة نوع من التوازن الداخلي بين النجاح والإخفاق، تماماً كما هو الحال في تطور الإنسان على المستوى الفردي، لا سيما حين يتذبذب بين قدراته الفعلية وطموحاته المستقبلية.

من ناحية أخرى، يحلل المؤلف أصول المفهوم الغربي عن التقدم، حيث يكشف عن خطورة ما تلعبه المناهج التعليمية ووسائل الإعلام من دور في تعزيز الصورة النمطية إزاء تفوق الغرب وتخلف الشرق، مستشهداً بالممارسات التاريخية التي ساهمت في ترسيخ هذه الصورة، سياسياً واقتصادياً وثقافياً، لا سيما العامل النفسي المتمثل في (عقدة الخواجة) الذي طبع بمرور الوقت شخصية الفرد العربي!

ومع الانتقاد الذي يوجهه المؤلف ضد دقة التقارير الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة فيما يخص واقع العالم العربي، فهو يقدم طرحاً تحليلياً منهجياً يجمع بين الفكر الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، ويضع القارئ أمام جملة من الأسئلة النقدية التي تمكّنه من غربلة ما تم ضخّه من مفاهيم باتت مألوفة، حول الحرية والتنمية وحقوق الإنسان وتمكين المرأة …… وغيرها، وهو يلفت انتباهه إلى عدم خلو العالم الغربي من تحديات قد تقلب موازين تلك الشعارات التي يحرص على رفعها في الواجهة!

ومن الكتاب الذي جاء عنوانه الفرعي محدداً في (العرب والحضارة الغربية في مستهل القرن الواحد والعشرين)، ونال ثلاثاً من رصيد أنجمي الخماسي، أقتبس (مع كامل الاحترام لحقوق النشر) ما ورد في موضوع (الديمقراطية) عن حقيقة الازدهار الذي يصطبغ به هذا العصر، حيث يقول المؤلف فيه ابتداءً: “لا يجب أن نستغرب على أي حال أن يصاحب تدهور الديمقراطية الترويج المستمر لازدهارها، فنحن نعيش في عصر يتكرر فيه الزعم بعكس الحقيقة: عصر يسمى نفسه عصر التنمية الاقتصادية أو حتى عصر التنمية الإنسانية واحترام حقوق الإنسان، بينما هو أقرب إلى أن يكون عصر استبدال ثقافة بأخرى. وقبل ذلك شاعت تسمية انتقال رؤوس الأموال من الدول الغنية إلى الدول الفقيرة (بالمعونات الاقتصادية)، كما سمى انتصار الولايات المتحدة على الاتحاد السوفيتي، ولو لفترة ما، (بنهاية التاريخ)، وسميت الهجمة الرأسمالية الجديدة على دول العالم الثالث (بصراع الحضارات)، كما سميت الحملات العسكرية على أفغانستان والعراق وكذلك إجراءات تكميم الأفواه وكبت الأصوات المحتجة على هذه الحملات العسكرية، سميت كلها بإجراءات (مكافحة الإرهاب)”.

ختاماً، قد لا يسعى مؤلف هذا الكتاب إلى تأسيس نظرية جديدة حول التقدم، بقدر حرصه على إبداع أسلوب مختلف في التفكير النقدي، موضوعي، متعدد الأبعاد، يهز التصورات الجاهزة، وينأى عن التعميمات المسبقة، ويرتكز على قاعدة من الشك المنهجي ضد كل ما تم التعاطي معه كمسلمات وبديهيات ووضع قائم، مؤكداً على أن الحضارة الغربية ليست الأنموذج المحتذى به بالضرورة فضلاً عن ازدواجيتها في قيم الحرية والعدالة والديمقراطية، وبأن الحضارة العربية تمتلك من المقومات ما يجعلها مؤهلة للتقدم المنشود.. وهو الموقف الذي لا بد سيفتح المجال واسعاً نحو إعادة النظر في مفهوم التقدم الحضاري لا سيما من خلال الموازنة بين ما هو تقني مادي وما هو قيمي إنساني، ومواجهة التبعية الغربية ثقافياً وسياسياً، والارتقاء بالتراث العربي أمام الاستعلاء الغربي، والاستعانة بأدوات النقد الذاتي من أجل إعادة تقييم المجتمع والهوية العربية واستعادة مكانتها في التاريخ الإنساني.

 

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

نقلاً عن المفكرة: جاء تسلسل الكتاب (102) في قائمة طويلة جداً خصصتها لعام 2025، والذي حصلت عليه من متجر (بيت الكتب) الإلكتروني في ديسمبر من عام 2023، ضمن أكثر من (120) كتاب كانوا حصيلة مشترياتي من تلك الشحنة .. وهو ثاني ما قرأت في سبتمبر ضمن (20) كتاب!

من فعاليات الشهر: لا شيء مميز سوى مضاعفة الحماس من أجل استدراك ما تبقى من العام في المزيد من القراءة. وعن هذا الكتاب، فقد أنهيت قراءته في جلسة واحدة، من الجلدة إلى الجلدة!

ومن الكتب التي قرأتها في هذا الشهر: عرق متوهم: تاريخ موجز لكراهية اليهود / مشكلات عاطفية / هكذا تكلم نيتشه / نقد نظرية النسخ: بحث في فقه مقاصد الشريعة / مدينة الكلمات

تسلسل الكتاب على المدونة: 702

تاريخ النشر: سبتمبر 20, 2025

عدد القراءات:106 قراءة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *