BOOK0701
الكتاب
عرق متوهم: تاريخ موجز لكراهية اليهود
المؤلف
المترجم/المحقق
يحيى عبدالله / أميرة عمارة
دار النشر
مدارات للأبحاث والنشر
الطبعة
(1) 2024
عدد الصفحات
181
النوع
ورقي
تاريخ القراءة
09/15/2025
التصنيف
الموضوع
اليهودية بين التاريخ والكراهية
درجة التقييم

عرق متوهم: تاريخ موجز لكراهية اليهود

ليس الكتاب من الأهمية وحسب في عرضه لحقيقة تاريخية على درجة بالغة الحساسية تُعنى بكراهية اليهود عبر العصور، بل قد تبرز أهميته القصوى في مؤلفه الذي عرضه بأسلوب تحليلي حاذق مطعّماً بلمسة شخصية، كمؤرخ يهودي الأصل معادٍ للسياسات الإسرائيلية، والذي جاء من ناحية أخرى أشبه بنقد ذاتي مشبع بنظرة عدائية نحو الأنا اليهودية!

فمع قيمة المؤلف العلمية، فهو يستعرض جذور كراهية الأوروبيين لليهود بمنهجية علمية متناولاً مستويات عدة، كالمؤسسات الرسمية متمثلة في السلطة الكنسية وأنظمة الحكم، وفئة المفكرين من مختلف المذاهب والمشارب، إضافة إلى الجماهير الشعبية. لذا، فهو يرجع أسباب هذه الكراهية ابتداءً إلى عناصر عَقدية لا سيما الاعتقاد المسيحي بتورط اليهود في دم يسوع المسيح، يتبعها بعناصر مرتبطة بسلوك اليهود الاقتصادي والاجتماعي، مثل التعامل بالربا مع غير اليهود، والتعالي العرقي والانطواء الاجتماعي. ثم يعقد مقارنة تاريخية في التعامل مع اليهود، بين أوروبا النصرانية والحكم العربي الإسلامي، خلال الفترة بين القرن الثامن والثالث عشر الميلاديين، محاولاً إبراز المرحلة الذهبية التي ازدهر فيها اليهود كطائفة دينية إبان ذلك الحكم، ونيلهم حقوقاً كانوا قد حُرموا منها من قبل في أوروبا، مع المفارقة التي تشير إلى التحول اللاحق في كراهية اليهود من الأوروبيين إلى المسلمين، لا سيما بعد تراجع تأثير اليهود في القارة العجوز!

لا تقف أهمية الكتاب عند هذا الحد وحسب، بل يكتسب أهمية مضاعفة في تفنيد المؤلف بالدليل والحجة أساطير الصهيونية، مثل “أكذوبة نفي اليهود من فلسطين على يد الرومان خلال القرن الأول للميلاد، وأكذوبة نقاء العرق اليهودي”، موضحاً حقيقة أصل معظم يهود أوروبا كعرق لا يمتّ للسامية بصلة! من جانب آخر، يفرّق بين كراهية اليهود التاريخية ومعاداة الصهيونية الحديثة، إضافة إلى نقد الممارسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين بما فيها الفصل العنصري، دون الخلط بين الأمرين. لا يفت المؤلف إن يشدد على أهمية متابعة الدراسات الجادة في هذا المجال، وترجمة أعمال الباحثين إلى العربية تحديداً، داعياً المؤسسات الثقافية ومراكز البحوث لدعم الترجمة ونشر العلم الموضوعي، وهو يؤكد على أن “المعرفة لا تقتضي التطبيع بالضرورة، وأن المعرفة قوة كما قال فرانسيس بيكون”.

فمن هو (شلومو زاند)؟

هو بروفسور ومؤرخ وكاتب إسرائيلي، حصل على درجة الدكتوراة في فرنسا، ويدرّس حالياً مادة التاريخ العام في جامعة تل أبيب. ولد في النمسا عام 1946 لأبوين يهوديين من بولندا نجا من الهولوكوست، وهاجروا جميعاً إلى مدينة يافا في فلسطين عام 1948. وهو كباحث وناقد للتاريخ اليهودي الماضي والحاضر، يشتهر كذلك بمواقفه الجريئة في نقد الأساطير المؤسسة للهوية اليهودية، بما في ذلك السياسات الإسرائيلية من منظور داخلي، الموقف الذي يصنفه ضمن (المؤرخين الجدد) في اسرائيل. ومن أشهر أعماله في هذا المجال، ثلاثية: (اختراع الشعب اليهودي / اختراع أرض إسرائيل / كيف لم أعد يهودياً؟).

زاند وقد أخذ على عاتقه تفتيت فكرة العرق اليهودي من جذورها، كوهم تاريخي صنعته الأيديولوجيا القومية الأوروبية واستثمرته الصهيونية فيما بعد، يتقصى خيوط تلك الفكرة من خلال عدة مسارات، دينية وقومية وسياسية وفكرية وإنسانية، والتي بدورها تمهّد الطريق نحو فهم أعمق للتاريخ القديم والعقل البشري والتعصبات العرقية، والدوافع العقائدية والثقافية والسياسية التي أدت لترسيخ تلك الكراهية في الوعي الجمعي، لا من خلال سرد مجرد للأحداث التاريخية كما جرت!

ومن الكتاب الذي جاء في ترجمة متقنة إلى العربية من نصّه العبري، ونال أربعاً من رصيد أنجمي الخماسي، أقتبس (مع كامل الاحترام لحقوق النشر) ما ورد في:

  • موضوع (كبح التهوّد). حيث يشير زاند إلى رأي المؤرخ الروماني (ديو كاسيوس) الذي عاش في القرن الثالث الميلادي، في عدم وضوح أصل تسمية “اليهود”، إذ إن الاسم في نظره يشمل كل من عاش وفق قوانين تلك الفترة، بغض النظر عن أصوله العرقية، في حين يفسّر (أوريجينس) -وهو أحد مفسري التوراة- بأن “اليهودية” ليست عرقاً أكثر من طبيعتها كأسلوب حياة، بحيث يصبح أي شخص يهودياً بمجرد تبنيه الشريعة اليهودية، حتى لو لم يكن من نسل اليهود. غير أنه يدرج رأي المؤرخ الأبرز في روما القديمة (تيودور مومسين)، حين قال: “أن اليهودية في العصور القديمة لم تكن منغلقة على نفسها على الإطلاق، وإنما العكس هو الصحيح. لقد كانت مشبعة بتعصب في مسألة التهويد ليس بأقل من النصرانية والإسلام من بعدها”.
  • موضوع (معاداة الصهيونية: هل هي معاداة جديدة للسامية؟). يتحدث زاند عن سيطرة إسرائيل على أراضٍ يسكنها فلسطينيون، وتقيم فيها مستوطنات دون منح سكانها الأصليين حقوقاً مدنية أو سياسية، ما حوّل الوضع المؤقت إلى نظام أشبه بالفصل العنصري منذ أكثر من خمسين عاماً، يمارس فيه المستوطنون اليهود قمعاً كالذي عانوا منه في السابق. أما الدول العربية من ناحية أخرى، فقد أظهرت موقفاً “ماجناً ومنافقاً” تجاه القضية، متضمناً “الإسلام الراديكالي” الذي لم يقدم سوى دعم محدود، مقابل تطور موقف “اليسار المعتدل أو الراديكالي في العالم الغربي” وبمساندة حركات حقوق الإنسان، إلى نقد حاد الوتيرة ضد إسرائيل، خاصة تحت وطأة فشل الجهود الدبلوماسية في تحقيق انسحاب المستوطنات أو العودة إلى حدود 1967. فيقول: “لا تقدم إسرائيل مواطنة متساوية للفلسطينيين أبداً، وليست مستعدة في الوقت نفسه للاعتراف بحقهم في تقرير المصير على أرضهم، ولا تزال جميع الدول الغربية تتعامل معها بسماحة منقطعة النظير”.

ختاماً، وفي عالم تحكمه الأساطير المؤسسة للهويات، يأتي كتاب (شلومو زاند) ليجرّد (أسطورة العرق اليهودي) كإحدى أكثر هذه الأساطير سطوة، حيث ينتمي كتابه إلى سلسلة أطروحاته النقدية التي تفكك الأساطير المؤسسة للهوية اليهودية الحديثة. غير أن عنوان الكتاب في حد ذاته يضع القارئ للوهلة الأولى أمام سؤال مركزي حول طبيعة الهوية اليهودية الحديثة: كيف تحولت جماعة بشرية متعددة المشارب إلى عرق مزعوم تُطارده الكراهية، ويُبرر له العداء عبر التاريخ، في الوقت الذي يؤسس فيه لدولة كاملة السيادة؟

 

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

نقلاً عن المفكرة: جاء تسلسل الكتاب (101) في قائمة طويلة جداً خصصتها لعام 2025، والذي حصلت عليه من مكتبة ألف في ديسمبر الماضي .. وهو أول ما قرأت في سبتمبر ضمن (20) كتاب!

من فعاليات الشهر: لا شيء مميز سوى مضاعفة الحماس من أجل استدراك ما تبقى من العام في المزيد من القراءة. وعن هذا الكتاب، فقد أنهيت قراءته في جلسة واحدة، من الجلدة إلى الجلدة!

ومن الكتب التي قرأتها في هذا الشهر: خرافة التقدم والتخلف / البدائع والطرائف / العواصف / بيت خالتي / معنى الحب 

تسلسل الكتاب على المدونة: 701

تاريخ النشر: سبتمبر 20, 2025

عدد القراءات:254 قراءة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *