الكتاب
مكونات الهوية الوطنية الفلسطينية في السيرة الذاتية
المؤلف
دار النشر
وزارة الثقافة الفلسطينية
الطبعة
(1) 2020
عدد الصفحات
106
النوع
ورقي
تاريخ القراءة
06/26/2025
التصنيف
الموضوع
توثيق الهوية الفلسطينية أدبياً
درجة التقييم

مكونات الهوية الوطنية الفلسطينية في السيرة الذاتية

ليست السيرة الذاتية مجرد رواية شفهية يحدّث بها فرد ما، ويضمّنها تجاربه في الحياة ومواقفه وخبراته، إنما هي بطبيعة الحال تعبّر عن هوية المجتمع الذي شهد تفاعلات تلك الحياة المروية، بمكوناته الثقافية والحضارية.

هكذا يبدأ المؤلف مقدمته التي جادل فيها ابتداءً عن أصل أدب السيرة الذاتية المتضارب بين الشرق والغرب! فبينما يعدّ كتاب (الأيام) لعميد الأدب العربي طه حسين بمثابة “النص التأسيسي لأدب السيرة الذاتية في العالم العربي”، يشير إلى بعض الأعمال الغربية التي يميل معها بعض الباحثين إلى اعتبار “أدب السيرة الذاتية أدب غربي”. بيد أن الأدب العربي سبق بقرون طويلة نظيره الغربي الذي برز متأخراً نسبياً في القرن الثامن عشر، حيث شهد القرن التاسع الميلادي/ الثالث الهجري، استهلال ما يُعرف بالسير الغيرية -الكتابة عن الغير- مثل كتاب (الطبقات الكبرى) لمؤلفه (ابن سعد 230هـ – 846م)، والذي توالى بعده عبر العصور من السير والتراجم، بلغت من الكثرة في التراث العربي درجة لم تبلغها أية أمة أخرى!

والمؤلف وهو يميل إلى الاعتقاد بالجذور العربية لأدب السيرة، يتطرق إلى دور السير الذاتية في إبراز الهوية الوطنية ككل، فيستعرض عدداً من الأعمال العربية، ثم يخص الأدب الفلسطيني وما يميزه بنصيب الأسد، مثل إشاعة أسماء القرى والمدن كنوع من إثبات الهوية، ورسم ملامح الحياة الاجتماعية وعلاقات الأفراد فيها وطوائفهم وعاداتهم، والواقع السياسي تحت ظرف الاحتلال، مستعرضاً بدوره عدد من الإصدارات التي وضعها مفكريه وكتّابه وأدبائه، وقد توّجه بسيرة (غربة الراعي) لمؤلفه (د. إحسان عباس 1920 : 2003)، الناقد والمحقق والمترجم الفلسطيني الذي يُعد من أبرز روّاد العرب الذين ساهموا في إثراء الدراسات العربية خلال القرن العشرين. أما عنه، فهو (ناهض زقوت) كاتب وباحث وناقد فلسطيني متخصص في الشؤون السياسية والأدبية. حصل على عدة درجات أكاديمية، وتقلّد مناصب مختلفة في الميدان السياسي إلى جانب عمله في المجال الإعلامي، وقد نشر عدد من الدراسات والمقالات في الصحف المحلية والعربية، وأصدر أعمالاً بحثية وأدبية وسياسية تبلغ الثلاثين، وقد حصد دروع تكريمية وشهادات تقديرية عن جهوده تجاه القضية والثقافة الوطنية الفلسطينية.

وقبل الخوض في مكونات (غربة الراعي) موضوع الكتاب، يتطرق المؤلف إلى ثراء الهوية الفلسطينية، التي وإن لم تنفِ التعددية في موروثها الثقافي، تؤكد وحدتها من حيث التميز والخصوصية، مستشهداً بتصريح الشاعر الفلسطيني محمود درويش الذي قال: “كل الشعوب تزوجت أمي .. وأمي لم تكن إلا أمي”، ثم يقول معقباً: فالأم هنا هي الأرض الفلسطينية، والشعوب هم كل الغزاة الذين احتلوا أرض فلسطين! استطاعت الأم أن تستوعب أو تستقطب منهم كل الأشكال الحضارية والثقافية، وهم رحلوا وبقيت الأم محافظة على كينونتها وهويتها، دون أن تعلق بثقافة الآخرين، بل أكدت على تميزها وفرادتها من خلال مبدع هويتها .. الشعب الفلسطيني الذي يعود بجذوره الحضارية والثقافية إلى ما قبل الألف الثالث قبل الميلاد، ومازال قادراً على التواصل طالما بقي في الوجود إنسان فلسطيني“.

ومن الكتاب الذي يستقطع اثنتان من رصيد أنجمي الخماسي، ملامح أرسمها .. وأقتبس ما يخدم معانيها (مع كامل الاحترام لحقوق النشر):

يحدد المؤلف في سيرة (غربة الراعي) مكونات تسع شكّلت في رأيه إطاراً عريضاً للهوية الوطنية الفلسطينية، وهي السيرة التي حرص صاحبها تضمينها ذكرياته الدافئة كفتى خجول متفوق وهو يتنقَل بين القدس وحيفا وصفد ومناطق أخرى في الريف والمدينة .. فيعشق المرأة سراً، ثم يكتب شعراً ويخفيه، وهو يواصل كفاح الفقر والغربة في سبيل تحصيل العلم، حتى يختم سيرته بعطاء لم ينضب في التأليف والتعليم. أولاً: تظهر (ملامح المكان) أول ما تظهر في الأرض، ثم من عليها من أحياء ومساكن وساكنين، لا سيما في مبادرة القرويين تشييد المدارس عوضاً عن انتظار الحكومة. ثانياً: تمثّل (العادات والتقاليد) مصدراً للاعتزاز، لا سيما سؤال “أنت من دار مين؟” الذي تلحق إجابته بالقدر والمكانة وأصالة الجذور التاريخية، وقد تتغلغل بعض العصبيات الاجتماعية جرّاء ذلك، كالتعصب بين الأقارب والتعصب بين العوائل على اتساعه. ثالثاً: تزخر (الأكلات الشعبية) بنكهة خاصة في المطبخ الفلسطيني، فإلى جانب “المفتول والمنسف والمسخن والمقلوبة”، هنالك أطباق تصنع مع موسم حصاد القمح “أكوام من البرغل والشعيرية يصب عليه اللبن الرائب”. رابعاً: تصطبغ (المواسم والأعياد) في كل قرية فلسطينية بطابع يميزها، فهنالك مواسم شعبية كموسم النبي صالح، وأعياد دينية كعيد الفطر، ومناسبات دينية كالمولد النبوي، وهي الاحتفالات التي كان يتقاطر فيها القرويون نحو الساحات يرقصون الدبكة، غير أن الأحزان ما لبثت أن طغت على أفراح تلك المناسبات شيئاً فشيئاً. خامساً: تنتشر (الأساطير والخرافات) بين الفلاحين بشكل أكبر، لا سيما مع قلة الوعي الذي قد يعود لانقطاع القرى عن وسائل الحياة الحديثة كالكهرباء والتلفاز، ما جعلهم يخلقون عالمهم الخاص، وتحديداً مع القمر الذي ارتبط لديهم بالأسطورة والغموض والقدسية. سادساً: تشكّل (التسلية والألعاب الشعبية) لوناً آخراً تناقلته الأجيال الفلسطينية جيلاً بعد جيل، حيث التحلّق حول “كانون” النار شتاءً والتسامر في حميمية، وحكايات الجدات الأسطورية عن الغيلان والأبطال، و “المقعد” الذي يترأسه “المختار” في العائلة أو في المدينة، حيث يتجمّع فيه الكل يستمعون إلى “الحكواتي” أو يلعبون “السيجة والدريس”. سابعاً: تمتد (الثقافة والموسيقى) في فلسطين كأرض ذات حضارة عربية متجّذرة ومنفتحة على ثقافات الآخرين، فمن الغناء الشعبي والآلات الموسيقية المصاحبة، إلى مقاهي الأدب وفنون السينما والمسرح، وغيرها من حركات ثقافية تتمثل في المجلات الوافدة والكتب المستعملة التي تباع عادة في الطرقات. ثامناً: وعن (ملامح من الحياة التعليمية)، لم يتمكن الإنجليز من ادعاء تنظيم التعليم في فلسطين، فقد فوجئوا زمن الانتداب بـ “شعب له مدارسه وعلمه وثقافته وماضيه المجيد”. وقد كان هناك نظام التعليم في القرية، تبعه التعليم المدرسي الخاص والحكومي في المدينة، إضافة إلى التعليم في الكلية ونظام الابتعاث. ورغم حرص الجميع على تعليم الأبناء، إلا أن القلة امتنعت عنه بحجة إفساد المدارس لهم، حيث ينبغي عليهم فلاحة الأرض بدلاً من ذلك. تاسعاً: تعكس (ملامح من التاريخ الفلسطيني) مرحلة ما قبل النكبة، لا سيما التي حفظتها الذاكرة وتناقلتها الألسن دون مدونات أو يوميات، وهي التي تؤكد على تواجد الجالية اليهودية في الثلاثينيات، والكنيسين داخل أسوار حيفا وحارة اليهود بها، وما دار فيها من أحداث مهمة كثورة الإضراب وتنظيم الكفاح وتحركات الجنود الإنجليز وسنوات الحرب العالمية الثانية.

 

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

نقلاً عن المفكرة: جاء تسلسل الكتاب (68) في قائمة طويلة جداً خصصتها لعام 2025، والذي حصلت عليه من معرض للكتاب عام 2024 ضمن (250) كتاب كانوا حصيلة مشترياتي آنذاك .. وهو في الترتيب (15) ضمن (17) كتاب قرأتهم في يونيو!

من فعاليات الشهر: ولأنني حضرت الشهر الماضي معرضاً للكتاب، وخرجت منه بحصيلة تجاوزت (230) كتاب، فقد فوجئت بخزائن الكتب في مكتبتي وقد اكتظت تماماً، وتراكمت الكتب فيها بشكل رثّ، فضلاً عن اختلاط التصنيفات ببعضها كحابل بنابل .. ما جعلني أستعين بالمهندس من جديد، والذي أضاف خزائن جديدة مبتكرة إلى المكتبة! لذا، كانت عملية إعادة ترتيب مكتبتي فعالية رئيسية لهذا الشهر، والتي جاءت كامتداد لفعالية السياحة في الشهر الماضي بين أروقة الكتب في معرض الكتاب!

ومن الكتب التي قرأتها في هذا الشهر: خمسون فكرة يجب أن تعرفها عن الطب / جناية قبيلة حدثنا / يا ابن آدم: حوار بين رجلين / ترانيم الحلاج: تأملات صوفية / The kybalion

تسلسل الكتاب على المدونة: 668

تاريخ النشر: يونيو 27, 2025

عدد القراءات:100 قراءة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *