الكتاب
العيش في فلسطين: مشاهدات محايدة لصحفي إيطالي
المؤلف
الكتاب باللغة الأصلية
Vivere in Palestina tra tablet, muri Bibbia e Corano - By: Giovanni Verga
المترجم/المحقق
دلال نصرالله
دار النشر
منشورات تكوين للنشر والتوزيع
الطبعة
(1) 2024
عدد الصفحات
180
النوع
ورقي
تاريخ القراءة
08/08/2025
التصنيف
الموضوع
فلسطين في أعين إيطالية
درجة التقييم

العيش في فلسطين: مشاهدات محايدة لصحفي إيطالي

وليس الخبر كالعيان!

نعم هي مشاهدة حية بعين أوروبية للوضع القائم في فلسطين، وكأن الكاتب يأخذ بيد القارئ نحو جولة عبر التاريخ لجذور هذه الأرض، ابتداءً بعصر السيد المسيح مروراً بالتاريخ القريب المتمثل بالنكبة والاحتلال الإسرائيلي، وما لحق بها من نكسة وانتفاضة ومقاومة آخرها طوفان وتطهير عرقي ممنهج، وهو يتطرق للمعالم الحضارية والدينية والثقافية والمعمارية، إضافة إلى ذلك!

إن الحديث عن فلسطين لا يزال يتجدد، حتى بعد مرور ما يقرب خمس وسبعين عاماً على الصراع الذي اندلعت أحداثه مع قيام دولة إسرائيل، وأكثر من خمس وخمسين عاماً على حرب الأيام الستة، وسبع وثلاثين عاماً على الانتفاضة الأولى، وعشرين عاماً على الانتفاضة الثانية وبداية تشييد الجدار العازل. ورغم أن الكثير قد قيل، إلا أن هناك دوماً ما يمكن إضافته، لكن بأسلوب جديد!

هكذا يقول الكاتب في مقدمة كتابه الذي أهداه (إلى غسان كنفاني: كاتباً فلسطينياً عظيماً وخالداً)، وهو مراسل إيطالي، غطى لعدد من الصحف الإيطالية أهم الصراعات القائمة حول العالم، كحرب أفغانستان، والضفة الغربية، والحرب الأهلية في سوريا، وقد حصل على جائزة الصحافة عن تقاريره في (مخيم الزعتري) بالأردن، وعلى تكريم التجمع السوري في (غازي عنتاب) بتركيا، وقد أصدر كتاب آخر بعنوان (الإنجيل والقرآن). لقد كانت المشاهدات التي رصدها الكاتب على قدر من الحيوية، حيث ضمّن كتابه في خواتيمه معرض للصور التقطها بعدسته .. معبّرة بشكل حميمي عما رأى وسطّر!

يبدأ الصحفي بالحديث عن الجدار العازل، الذي أثار الكثير من النقاش حول تأثيراته السياسية والاجتماعية والنفسية، إلا أن الآثار الاقتصادية كانت هي الأخطر، فقد سددت ضربة قاسية للاقتصاد الفلسطيني المتهالك أصلاً، وعرقل حركة الأفراد والبضائع. أما اليوم، فتظهر مشكلات أكثر تعقيداً، حيث تستعيد القضية الفلسطينية كـ “قضية كل القضايا” مكانتها في قلب الاهتمام العربي والعالمي، وذلك “بسبب التطهير العرقي الذي يتعرض له سكان قطاع غزة”. إن بناء الجدار لم يمنع إمكانية الحوار فحسب، بل خلق فصلاً عنصرياً يؤدي إلى إرساء واقع جديد يحمل الأجيال القادمة على اتخاذ خيار قاسٍ: إما الترحيل أو المقاومة المسلحة. لهذا، يعتقد الصحفي بأن كتابه هذا يختلف عن الكتب التقليدية التي تتناول ظروف أهل غزة المعيشية البائسة، فهو يرحل عميقاً داخل نطاق الجدار بهدف فهم حياة الناس العاديين ومنحهم صوتاً يعبر عن تجاربهم.

وبينما يتناول الكتاب الفلسطينيين، المسلمين منهم والمسيحيين، فهو يتطرق كذلك إلى الإسرائيليين الذين يقيمون في المستوطنات، حيث تُعد هذه الأمور الأكثر إشكالية وأهمية، حيث يظهر أن هؤلاء الإسرائيليين يختلفون عمّا يتم الترويج له في الإعلام. وفي الوقت نفسه، يسلط الضوء على العرب الفلسطينيين، متسائلاً: “كم شخصاً منا يعرف أولئك الذين عاشوا على هذه الأرض لألفي عام تقريباً، وما هي هويتهم وثقافتهم؟”. فعلى الرغم من أن الذاكرة الثقافية قد تشتت بسبب الحرب المستمرة، إلا أن تاريخهم الثقافي من العراقة ما يستحق التقدير، خاصة في مجالات الأدب والشعر. وقد كان من المثير للاهتمام بالنسبة للصحفي أن يرصد أوجه الشبه بين الشعراء الفلسطينيين ونظرائهم العرب في صقلية، والتي ربما لم يلتفت إلى هذه المقارنة الكثيرون، غير أنها تحمل في طياتها العديد من النقاط المشتركة. فقد أدّى الغزو النورماندي إلى تهجير عرب صقلية من أرضهم، مما غيّر “موضوعات قصائدهم من العشق إلى آلام المنفى والحنين، إلى الأرض الحبيبة المفقودة”. ومع مرور أكثر من ألف عام، شهد العرب الفلسطينيون نفس المصير، حيث دخلت معاناة الغربة في صميم أشعارهم، بينما تلاشت موضوعات شعرية تقليدية كانت تروى في السابق، كقصص ألف ليلة وليلة.

يذكر الصحفي بأن قبل فرض الجدار، كان الإسلام المعتدل هو السائد، والموسيقى والدبكة “التي تهز الأرض هزاً” تحيي المناسبات السعيدة، كمناسبات الأعراس والإنجاب وأيام الحصاد. إنها تشكل في نظره نوع من التعبير الرمزي للهوية الفلسطينية، بحيث أصبحت جميع مخيمات اللاجئين الكبرى تحتوي على مراكز ثقافية تدرّس وتعرض الأعمال الدرامية والقصص الشعبية من خلال العروض المسرحية. لذا، يجد الصحفي الشعب الفلسطيني يتمتع “بثقافة أصيلة وعميقة”، راسخة جذورها وتمتد لآلاف السنين، وهذا هو سبب مقاومته الرحيل عنها.

يهدف الصحفي من كتابه أيضاً، إلى استكشاف الشعب الفلسطيني، ومنحه الفرصة لسرد قصته، حيث لا بد أن سيتحدث عن المعاناة اليومية في المناطق الخاضعة لسلطة الاحتلال، وهي السلطة التي تحدد حقوق وواجبات الجميع! لقد تغيرت الحياة في غزة بشكل جذري بعد أكثر من عقدين على بناء الجدار، وهو لهذا يرغب في تقديم تلك الصورة كما رآها بعينه، بعيداً عن النمطية التي تقدمها وسائل الإعلام والتحليلات الجيوسياسية والمواقف غير المدروسة للمعلقين السياسيين، والتي عادة ما يشوبها التكرار واللا موضوعية.

يصرّح الصحفي من خلال رحلته عن اكتشافه بعض الأمور غير المعلنة، كالارتفاع المضطرد في نسبة الشباب الفلسطيني الملتحق بالجامعات لا سيما من الفتيات، إضافة إلى حرصهم السفر إلى أوروبا وأمريكا لاكتساب الخبرة العملية ومن ثم العودة لخدمة وطنهم المحتل، والذي كما هو معروف “لا وجود له في القانون الدولي”. في الجانب العلمي، اتضح أن هنالك جيل جديد من الخريجين الفلسطينيين في مجالات تكنولوجيا المعلومات، حيث ينضم المهندسون والمطورون والمبرمجون منهم إلى عالم الشركات العالمية بتقنيات متطورة.

علاوة على ما تقدم، فإن نقد العرب المسيحيين للحكومة القائمة في تل أبيب لا يقل حدة عن نقد المسلمين، بينما يتعرض كلاهما لضروب التمييز والانتهاكات نتيجة للقوانين القمعية والاستبداد. رغم ذلك، يشير الصحفي إلى أن المسلمين والمسيحيين العرب قد كانوا يعيشون في وفاق تام في السابق، غير أن هذا الوفاق بدأ يتقوض تدريجياً. من ناحية أخرى، أدت البطالة والركود السياسي ومفاوضات السلام إلى تفاقم مشاعر الاستياء والصراعات، حتى عملت الأطراف الأكثر تطرفاً من اليهود والفلسطينيين إلى تفاقم العلاقات السلبية بينهما، بل وبين العرب أنفسهم. ونظراً لهذه الظروف، باتت الأقلية المسيحية هدفاً للتعصب وأخذت تتحمل الأعباء أيضاً، ما أدى إلى اضطرار أفرادها للرحيل من أراضيهم، وكما يعبّر الصحفي عن رأيه في هذا قائلاً: “ومن المؤكد أن القرآن يأخذ مكان الإنجيل في الأراضي المقدسة”.

يتناول الصحفي في الفصل الأخير قضية اللاجئين، الذين يمثلون غالبية الشعب الفلسطيني. لقد ضاعف بناء الجدار من فقرهم، وأغلق أمامهم أبواب العمل في فلسطين المحتلة التي كانوا يحصلون منها على لقمة عيشهم سابقاً، بينما أصبحت القدرة الاستيعابية لأقدم مخيمات اللاجئين في العالم مهددة! لكنه يرجو أن يمنح كتابه هذا سكان المخيمات الفرصة للتعبير عن أصواتهم.

ومن الكتاب الذي جاء في ترجمة جيدة من نصّه الأصلي (Vivere in Palestina tra tablet, muri Bibbia e Corano – By: Giovanni Verga)، وأنهيته في جلسة واحدة، ومنحته ثلاثاً من رصيد أنجمي الخماسي، أقتبس (مع كامل الاحترام لحقوق النشر) ما أورده المؤلف من شعر الأديب والشاعر والسياسي الفلسطيني (أبو سلمى عبدالكريم الكريم) والملقب بـ (زيتونة فلسطين)، في تجربة المنفى:

كلما حاربت من أجلك أحببتك أكثر
أي ترب غير هذا الترب من مسك وعنبر
أي أفق غير هذا الأفق في الدنيا معطر
كلما دافعت عن أرضك عود العمر يخضر
وجناحي يا «فلسطين» على القمة ينشر
يا «فلسطينية» الاسم الذي يوحي ويسحر
تشهد السمرة في خديك، أن الحسن أسمر
لم أزل أقرأ في عينيك أنشودة عبقر
وعلى شطيهما أمواج «عكا» تتكسر
من بقايا دمعنا هل شجر الليمون أزهر؟
لم تعد تعتنق السفح عصافير الصنوبر
ونجوم الليل ما عادت على الكرمل تسهر
و«الحواكير» بكت من بعدنا، والروض أقفر
وكروم العنب الخمري، شقت ألف مئزر

 

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

نقلاً عن المفكرة: جاء تسلسل الكتاب (84) في قائمة طويلة جداً خصصتها لعام 2025، والذي حصلت عليه من معرض للكتاب مايو الماضي، ضمن أكثر من (230) كتاب كانوا حصيلة مشترياتي آنذاك .. وهو رابع ما قرأت في أغسطس ضمن (20) كتاب!

من فعاليات الشهر: استدراك ما فات من برنامج القراءة خلال نصف العام الأول، ومحاولة اختلاق وقت إضافي ضمن الأربعة والعشرين ساعة، للأعمال الأخرى .. إلى جانب القراءة ثم القراءة ثم القراءة! كم كان محفّزاً أن أختم هذا الشهر بالكتاب رقم (100) ضمن قائمة القراءة الطويلة والطويلة جداً التي فرضتها منذ بداية العام …… ولنرى ما سيكون عليه الوضع في النصف الثاني!

ومن الكتب التي قرأتها عن القضية الفبسطينية في هذا الشهر: اليهود في الكويت: وقائع وأحداث / أسطورة التكوين: الثقافة الإسرائيلية الملفقةهوامش على دفتر النكسة / ثلاثية أطفال الحجارة 

تسلسل الكتاب على المدونة: 684

تاريخ النشر: أغسطس 16, 2025

عدد القراءات:156 قراءة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *