الكتاب
الأدب الصغير والأدب الكبير
المؤلف
المترجم/المحقق
د. عبدالعزيز نبوي
دار النشر
الدار المصرية اللبنانية
الطبعة
(3) 2022
عدد الصفحات
175
النوع
ورقي
تاريخ القراءة
06/25/2025
التصنيف
الموضوع
الحكمة على لسان أديب عربي-فارسي
درجة التقييم

الأدب الصغير والأدب الكبير

وكأنه قول لنبي!

كتاب يعبق بطيبات التراث العربي .. يزخر بلآلئ الحكمة وبحكيمها الذي صاغ بيانه في أجزل عبارة، وأنطق حكمته عبر تصاريف ما خبر من حياة قصيرة عاشها!

أما الحكمة فنعماً هي .. وأما الحكيم فهو (أبو محمد عبد الله بن المقفع 106-142 هـ / 724-759 م)، فارسي وُلِد مجوسياً ثم اعتنق الإسلام، وعاصر الخلافتين الأموية والعباسية، وقد قُتل شر قتلة على يد أعوان والي البصرة (سفيان بن معاوية بن يزيد) فترة حكم الخليفة العباسي المنصور، والذي كان يتوعّده لخلاف شديد كان قائم بينهما، لم يتورع فيه ابن المقفع من كيل ضروب السخرية اللاذعة في حقه، والتقليل من شأنه أمام العامة!

لكن، ما أصل تصنيف الأدب بين صغير وكبير؟

فيما يُنسب إلى ابن المقفع نفسه، فإن كل ما من شأنه تهذيب النفس والارتقاء أخلاقياً على مستوى الذات، يندرج تحت (الأدب الصغير)، بينما يتسع (الأدب الكبير) فكراً وعمقاً ومعرفة ليشمل الحياة ككل. بعبارة أكثر بلاغة: (الأدب الصغير أدب عملي إرشادي، والأدب الكبير أدب تأملي فكري فلسفي)!

لذا، يظهر ابن المقفع في (الأدب الصغير) موجهاً، يفرّق بين الخطأ والصواب ويدعو لمحاسبة النفس بما لها وما عليها، لا سيما وهو يرى أن العاقل هو من يحصي مساوئه، مشدداً على عدم استصغار أي قدر من الخطأ! ويوصي أيضاً بالنفس، بتهذيبها وتعليمها وتلقينها قبل الغير، وبالأخذ عن الحكماء، وبتعاطي الأدب كسبيل لتنمية العقل، وهو يعتبر أن لا مال أغلى من العقل، وأن آفته العُجب وحسب، بل وقد عدّ العاقل هو ذلك الذي لا يفرح بالمال الكثير. يرى أن الكذب هو رأس الذنوب، ويوصي بمداومة ذكر الموت فهو عصمة، وبأن الدنيا ليست سوى زخرف فلا ينبغي الركون لها ولا الاغترار بها، وهو حين يفرّق بين الدين والرأي من جهة، يؤكد على أن الرأي والهوى بطبيعتهما متعاديان، محذراً من الاعتداد بالرأي والاستخفاف بالغير، ومن خصومة الأهل والأصدقاء، وهو يفرّق في المودة بين الأخيار بعضهم ببعض، والأشرار فيما بينهم كذلك …. والكثير من صيغ التوجيهات الأخلاقية وفضائلها ورذائلها بين جنبات (الأدب الصغير). أما (الأدب الكبير) الذي جاءت وصاياه أقل في القدر من (الأدب الصغير)، فقد قسّمه الأديب الفارسي إلى قسمين رئيسيين: (في السلطان) و (في الأصدقاء)، فيوصي الملك ابتداءً بالاستعاذة بالعلماء طالما قد وقع عليه البلاء بالسلطان، محذراً من حب المدح ومن فرط الغضب ومن سفاسف الأمور يهتم بها فيضيّع عظيمها، منبهاً على أن ليس للملك أن يكذب أو أن يسئ الظن. ثم يعرّج على كل من صاحب سلطان يوصيه بدوره، فيحذَر سخطه ويتجنب المسخوط عليه، ويحفظ لسانه فلا يتكلم إلا حين يُسئل، لكن، عليه أن يتقن واجب النصح للسلطان! وبعد أن يفرغ من (السلطان) وينتقل إلى (الصديق)، يذكّر بحقه، وبعدم التطاول عليه، وبعدم نسب كلامه إلى نفسه، وبالجود معه والكرم، وبالزهد بما في يديه، وبنبذ الحسد فهو لؤم، والحذر من التصنّع أمامه، وبحسن مجالسته والاستماع إليه، والنطق بالحسن من القول أمامه، والاستكثار من الصمت الذي يستجلب المودة .. وهو قبل هذا ينبّه على حسن اختياره وشروط الصحبة ككل، والتي من خلالها يحذّر من الأعداء، ومن خُلق العداوة والبغضاء.

ومن عذوبة ما أورد في الأدبين الذي نال بهما الكتاب ثلاثاً من رصيد أنجمي الخماسي، أقتبس (مع كامل الاحترام لحقوق النشر):

  • من (الأدب الصغير):
  • حكمة التعامل مع من هم أعلى ومن هم أدنى: “وكان يقال: وقر من فوقك، وَلِنْ لمن دونك، وأحسن مؤاتاة أكفائك، وليكن آثر ذلك عندك مؤاتاة الإخوان، فإن ذلك هو الذي يشهد لك بأن إجلالك من فوقك ليس بخضوع منك لهم، وأن لينك لمن دونك ليس لالتماس خدمتهم”.
  • من (الأدب الكبير):
  • حكمة الترفّع عن قبول المدح وترقبه، فالمتقبل للمدح كمادح نفسه .. وهو يتوجه في حديثه إلى (السلطان): “وإياك إذا كنت والياً، أن يكون من شأنك حب المدح والتزكية، وأن يعرف الناس ذلك منك، فتكون ثُلمة من الثُّلم، يتقحَّمون عليك منها، وبابًا يفتتحونك منه، وغيبة يغتابونك بها، ويضحكون منك لها. واعلم أن قابل المدح كمادح نفسه، والمرء جدير أن يكون حبه المدح، هو الذي يحمله على ردّه. فإن الراد له محمود والقابل له معيب”.
  • حكمة التحفّظ في المخالطة والمحادثة .. وهو يتوجه في حديثه إلى (الأصدقاء): “تحفّظ في مجلسك وكلامك من التطاول على الأصحاب، وطب نفساً عن كثير مما يعرض لك فيه صواب القول والرأي، مداراة، لئلا يظن أصحابك أن دأبك التطاول عليهم”.

ومما راق لي على مستوى شخصي .. حكمة طلب العلم، في تلقي المعرفة وفي تحصيل الفطنة. وفيهما يقول ابن المقفع: “حبب إلى نفسك العلم حتى تألفه وتلزمه، ويكون هو لهواك ولذتك وسلوتك وبُلغتك. واعلم أن العلم علمان: علم للمنافع وعلم لتذكية العقول. وأفشى العلمين وأحراهما أن ينشط له صاحبه من غير أن يُحَض عليه، علم المنافع. وللعلم الذي هو ذكاء العقول وصِقالها وجلاؤها، فضيلة منزلة عند أهل الفضيلة والألباب”.

 

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

نقلاً عن المفكرة: جاء تسلسل الكتاب (67) في قائمة طويلة جداً خصصتها لعام 2025، والذي حصلت عليه من معرض للكتاب عام 2023 ضمن (400) كتاب كانوا حصيلة مشترياتي آنذاك .. وهو في الترتيب (14) ضمن (17) كتاب قرأتهم في يونيو!

من فعاليات الشهر: ولأنني حضرت الشهر الماضي معرضاً للكتاب، وخرجت منه بحصيلة تجاوزت (230) كتاب، فقد فوجئت بخزائن الكتب في مكتبتي وقد اكتظت تماماً، وتراكمت الكتب فيها بشكل رثّ، فضلاً عن اختلاط التصنيفات ببعضها كحابل بنابل .. ما جعلني أستعين بالمهندس من جديد، والذي أضاف خزائن جديدة مبتكرة إلى المكتبة! لذا، كانت عملية إعادة ترتيب مكتبتي فعالية رئيسية لهذا الشهر، والتي جاءت كامتداد لفعالية السياحة في الشهر الماضي بين أروقة الكتب في معرض الكتاب!

ومن الكتب التي قرأتها في هذا الشهر: المرحلة الملكية / خمسون فكرة يجب أن تعرفها عن الطب / المنقذ من الضلال / مكونات الهوية الوطنية الفلسطينية في السيرة الذاتية / The kybalion

تسلسل الكتاب على المدونة: 667

تاريخ النشر: يونيو 27, 2025

عدد القراءات:110 قراءة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *