الكتاب
ناجيات
المؤلف
دار النشر
جسور للترجمة والنشر
الطبعة
(1) 2023
عدد الصفحات
191
النوع
ورقي
تاريخ القراءة
06/11/2025
التصنيف
الموضوع
الناجيات .. المفقودات المولودات
درجة التقييم

ناجيات

في عصر ما قبل سقراط، قال الفيلسوف الإغريقي هيراقليطس قولاً ما معناه: “لا يعبر الإنسان نفس النهر مرتين أبداً” .. أما (ناجيات) هذا الكتاب السبع، فقد تقدمهن في صفحته الأولى قول: “ربما ستنجو .. لكنك لن تعود كما كنت” .. وقد يكفي عنوان الكتاب الفرعي للتدليل على صدق المعنى في القولين، والذي جاء بـ: (شهادات حقيقية لناجيات سوريات من معتقلات نظام الأسد)!

يتضمن هذا الكتاب الشائك شهادات حية لسبع معتقلات سوريات نجين من سجون الأسد وبطش جلاديه، بعد أن عشن في أقبيته الظلامية تجربة وحشية إثر اندلاع الثورة السورية عام 2011، تجسّد معاني القهر والظلم والألم واغتصاب الروح قبل الجسد! إنها حكاياتهن التي تم توثيقها هنا من خلال مقابلات مطوّلة ومسجلة أجراها معهن فريق مختص، والذي عمد فيما بعد على تفريغها وإعادة صياغتها في قالب قصصي موحد الأسلوب، وافقن على نشرها كما هي بعد أن عُرضت عليهن! ولأغراض الحفاظ على سرية هوياتهن وعلى سلامتهن وسلامة ذويهن، فقد طال بعض التفاصيل شيء من التغيير، مع الحفاظ على صحة المعلومات الأساسية المتعلقة بأماكن الاعتقال وفتراتها وأساليب التعذيب وأسماء المحققين وأصولهم ومناطقهم وانتماءاتهم ……، حتى تبقى صفحات هذا الكتاب بمثابة شهادة حقيقية على تجارب الاعتقال وجرائم نظام الأسد!

على إثرها، تنتقل تلكن الحرائر إلى تركيا، ويؤسسن عام 2019 (منظمة ناجيات سوريات)، تضم إليهن مجموعة أخرى من النساء اللاتي تعرضن لتجربة اعتقال أو اختفاء قسري على خلفية رأي أو نشاط سياسي، وكذلك المناصرات لهن. ولأنهن يؤمن بالقيم التي قامت عليها الثورة السورية من عدالة وحرية وديمقراطية، فإن منظمتهن تسعى إلى “كشف الحقيقة وتحقيق العدالة ومحاسبة مرتكبي الجرائم والانتهاكات”، وإلى المساهمة الفعالة في طي قضية الاعتقال في سوريا ومنعها من التكرار، كما تعمل على تمكين النساء الناجيات حقوقياً وسياسياً واقتصادياً، وإلى رفع الوعي المطلوب في عملية التوثيق، كما في هذا الكتاب.

أما قصصهن التي نالت ثلاثاً من رصيد أنجمي الخماسي، فظهرت بعناوين كما يلي، تلتها صفحات تخص (إحصاءات) و (منظمة ناجيات سوريات) و (الشهادات في الكتاب):

  • القصة الأولى: إنسان مع وقف التنفيذ
  • ‎القصة الثانية: يا حرية
  • ‎القصة الثالثة: خذلتني سوريا
  • ‎القصة الرابعة: أنا مو بنان
  • ‎القصة الخامسة: ماما .. تعي لعندي
  • ‎القصة السادسة: قارئة الفنجان
  • ‎القصة السابعة: حرة

ومن كل ناجية .. مفقودة كانت فمولودة، أقتبس قطعة من نار أشعلتها في كلمات معدودة (مع كامل الاحترام لحقوق النشر):

  • تقول الناجية الأولى التي تمنت لو استسلمت لليأس منذ ليلتها الأولى في السجن، وقد افتقدت معنى الدفء من حينها بعد حادثة الاغتصاب التي تعرّضت لها، عندما اختارها المحقق وهي مسنة دوناً عن بقية السجينات الأصغر سناً، ولم تسعفها فيما بعد معاطف كل السجينات اللاتي هرعن لتدفئة جسدها المرتجف: “أما كل ذلك الكلام عن ضرورة التمسك بالأمل للنجاة فهراء محض .. اليأس هناك هو ما ينجي، فهو الذي يعينك على اللامبالاة الضرورية لتمضي الأيام كما هي! لا غد منتظر يطيل دقائقها، ولا آمال عريضة تثقل خيبات الأيام على النفوس”.
  • تقول الناجية الثانية التي عثرت على مسمار في ظلمة زنزانتها المنفردة، وقد اعتبرته بمثابة هدية تُنهي به عذابها، فتُدفن ومعها كل ما شهدت عليه: “استجمعت كل ما لدي من رباطة جأش لاختار أفضل طريقة استخدمه بها بأقل قدر من الألم! فكرت وفكرت .. أطبقت يدي على المسمار بقوة لا أعلم منبعها تاركة نصله مكشوفاً، ثم غرزته بالجدار .. وخططت به «يا حرية»“.
  • تقول الناجية الثالثة التي تناوب المحقق وثلاثة من عناصره على اغتصابها بعد تقييدها إلى قضبان السرير الحديدية، والتي ظنت حين تم نقلها وفتيات أخريات من سجن حمص إلى دمشق، معصوبات الأعين، بأنه سيتم إعدامهن .. غير أن ظنها زال حين أمرن بخلع ثيابهن: “كنت قد اعتدت على خلع الحجاب والمعطف في كل فرع ندخله، لكن ذلك لم يكن كافياً هناك، فقد طلب منا أن نتعرى لنؤدي حركات «الأمان» وهي أن تجلس القرفصاء مرتين وأنت عار حتى يتأكدوا أنك لا تخفي شيئاً داخل تجويفات جسدك. وعلى الرغم مما مررت به سابقاً، إلا أن ذلك الموقف كان أشد ما أحسست به من إهانة .. فأن تقف أمام كميرا وحارسين وتتعرى وتؤدي تلك الحركات التي لا يمكن لك فعلها مع إخفاء أي شيء مما تقضي الفتاة عمرها كله تستره حتى عن والدتها، كان يكفي لأحس بأني حيوان في مسلخ يقلبني الجزار كيف يشاء، للتأكد من سلامة جسدي قبل الذبح“.
  • تقول الناجية الرابعة التي حلمت بالعودة يقيناً مرتدية بيجامتها التي لا تزال جدتها ترتبها في منزلها كل أسبوع ترقباً لمقدمها: “سأعود لا شك .. وستزول تلك المنظومة الهشة التي يحاول النظام بها تشكيل المجتمع بشكل طائفي .. سأعود وسيكون السوري سورياً قبل كل شيء، ولن يكون هناك من يولدون ضباطاً وعناصر أمن، ومن يولدون مغتربين .. سأعود لأشهد رفع علم الثورة في جبلة واللاذقية وطرطوس وسوريا كلها. سأعود .. وسيزول النظام .. وستبقى سوريا“.
  • تقول الناجية الخامسة التي نهشتها اتهامات المجتمع المبطنة لها بالاغتصاب، بحدة قد تفوق الاغتصاب نفسه لو كانت قد تعرّضت له حقاً، مضافاً إليه شكوك زوجها وتكرار استجوابها التي دعتها للانفصال عنه، مكتفية بوالديها وإخوتها: “كانت مشكلة تحاشي محيطي لي ليست مقتصرة على حي الوعر، فحتى صديقات طفولتي وبنات عمي اللواتي نشأت معهن في حي القصور تحاشينني وسمعت من غير واحدة منهن أني جلبت العار لهن، بعد أن باتت قصة اعتقالي معروفة، وكان من المفروغ منه حينذاك أن المعتقلة لا بد ستكون مغتصبة، والمغتصبة في عرفنا البالي «مذنبة». لم أفهم كيف تمكن مجتمع كامل من التواطؤ على الجمع بين متناقضين هكذا، أعني أن الاغتصاب فكرة تقوم أساساً على سلب إرادة شخص ما، أما الذنب فيرتبط بفعل خاطئ يرتكبه شخص ما بإرادته، والجمع بين إرادة وانتفائها ليس أمراً منطقياً، فضلاً عن كونه ليس عادلاً. كنت أحس بالغيظ يأكلني لماذا يكلفن أنفسهن عناء سؤالي عما حدث لي مع كل ما يعرفنه من ثقل ذاك السؤال إذا كن قد اخترن الإجابة مسبقاً بغض النظر عن إجابتي؟ ولماذا يجب أن يقفن موقفاً يحملنني فيه تبعات أمر لا ذنب لي فيه؟ ولماذا يكن قاسيات لدرجة يجعلن فيها من سعيي لإدخال مواد طبية عاراً يحاسبنني عليه، وأستحق لأجله التقريع بل والمقاطعة؟”.
  • تقول الناجية السادسة التي بدورها تناوب خمسة ضباط على اغتصابها وعلى شتم الذات الإلهية معاً، لا سيما وأولهم (الخال) الذي لم يخف أصله العراقي في لهجته الشامية، حين ردت على بذاءة شتائمه الطائفية بفخر الانتساب والاتصاف بـ “بنات عائشة”، والذي توعدها بأن يجعلها تكره النظر لوجهها في المرآة: كنت أبكي نفسي ومصيري بأنين مكتوم، فقد أدركت أني في فرع أمني يرتدي سجانوه لباس الأطباء والممرضين، الذين تعاملوا معي بلؤم شديد على الرغم من معرفتهم بما حدث لي، وبدا أنهم يعتقدون أن أمراً كهذا عقوبة عادية وطبيعية بحقنا نحن أبناء الثورة، بل إن ممرضة هناك قالتها لي صراحة بأنها تتمنى لو يسمح لها فتقتلني بدل أن تقوم بعلاجي“.
  • تقول الناجية السابعة التي كانت تناضل بصوتها في سبيل الحق وعلى منصة وفوق جموع المتظاهرين، وقد اقتيدت وطفلها لفرع الأمن العسكري بجريرة زوجها الذي كان ملتحقاً بصفوف جماعة الإخوان المسلمين: “ناديت على السجان أخبره بحاجة ابني، وسمح لي بإخراجه إلى الحمامات، وعند عودتنا انتبهت له معتقلات من زنزانة أخرى كان بابها مفتوحاً، فهرعن إليه يقبلنه ويحتضنه، وعرفت أنهن إنما يقبلن فيه أبنائهن الذين خلّفنهم، بل يقبّلن فيه الحياة نفسها”.

في كلمة أخيرة: هنا تجسّد الشيطان في هيئة جلّاد سلّطه نظام الأسد البائد على حرائر سوريا وحدهن .. حيث وحشية الانتهاك الآدمي المتحدّرة في أحط مستويات الفحش، لا تخطر على قلب إبليس!

 

تم عرض الكتاب في جريدة الشرق

 

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

نقلاً عن المفكرة: جاء تسلسل الكتاب (55) في قائمة طويلة جداً خصصتها لعام 2025، والذي حصلت عليه من معرض للكتاب في إحدى المدن العربية عام 2023 ضمن (400) كتاب كانوا حصيلة مشترياتي من ذلك المعرض .. وهو ثاني ما قرأت في يونيو ضمن (17) كتاب!

من فعاليات الشهر: ولأنني حضرت في الشهر الماضي معرضاً للكتاب، وخرجت منه بحصيلة تجاوزت (230) كتاب، فقد فوجئت بخزائن الكتب في مكتبتي وقد اكتظت تماماً، وتراكمت الكتب فيها بشكل رثّ، فضلاً عن اختلاط التصنيفات كحابل بنابل .. ما جعلني أستعين بالمهندس من جديد، والذي أضاف خزائن جديدة مبتكرة إلى القديمة! لذا، كانت عملية إعادة ترتيب مكتبتي فعالية رئيسية للشهر، والتي جاءت كامتداد لفعالية السياحة في الشهر الماضي بين أروقة الكتب في معرض الكتاب!

ومن الكتب التي قرأتها في هذا الشهر: الختان والعنف ضد المرأة / المرحلة الملكية / مشكلات نفسية / آبرا كادابرا: بئر الحكمة / خمسون فكرة يجب أن تعرفها عن الطب / The kybalion

تسلسل الكتاب على المدونة: 655

تاريخ النشر: يونيو 27, 2025

عدد القراءات:135 قراءة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *