كتاب موضوعي في مقارنة الأديان تمت ترجمته إلى سبع عشرة لغة .. يتناول فيه المؤلف الأديان السماوية الثلاث (التوراة والإنجيل والقرآن) بالبحث والنقد والمقارنة، في محاولة للتحقق من مدى توافقها مع معطيات العلم الحديث!. وفي حين يستعرض المؤلف ما ورد في التوراة والإنجيل من نبوءات وأخبار وأحداث تتعارض مع آخر ما توصل له العلم من فرضيات واكتشافات وحقائق، يصرّ على أن القرآن الكريم يأتي بأمور تتفق تماماً ومعطيات العلم الحديث.
إنه د. موريس بوكاي (1920 : 1998)، طبيب فرنسي .. نشأ كاثوليكياً واعتنق الإسلام بعد دراسة عميقة للأديان السماوية. فبالإضافة إلى ما أورده في مقدمة الكتاب، يعرض قصة إسلامه الذي خطى إليه ابتداءً من تعلم اللغة العربية في جامعة السوربون وقراءة القرآن الكريم، وانتهاءً بالتحليل المخبري الذي أُجري على مومياء فرعون مصر في فرنسا، وقد أثبتت نتائجه تركيز نسبة الملح العالقة فيها. لم يمر هذا الكشف العلمي مرور الكرام على المؤلف، فبينما لا تأتي له نصوص التوراة والإنجيل بما يُثبت غرق الفرعون، تأتي آية قرآنية تثبت نجاته ببدنه، وذلك حين استمع إلى تلاوتها من خلال مؤتمر طبي عُقد في المملكة العربية السعودية إثر نتائج ذلك التحليل المخبري وحضره عدد من علماء التشريح .. يضيف حقيقة علمية أخرى مفادها غرق الفرعون وانتشال جثته وتحنيطها على الفور .. والتي بها تنفك عقدة الشك لديه في أصدق دليل!. حينها ترتج نفسه ويقف وسط الحضور صارخاً: “لقد دخلت الإسلام وآمنت بهذا القرآن”. يضع بعد ذلك هذا الكتاب!.
يعرض فهرس الكتاب -بالإضافة إلى صفحات التقديم والمقدمة والخاتمة- عدد مطوّل من المواضيع التي تتفرع عن ستة أبحاث رئيسية، وتمتد على أربع صفحات، هي:
- لمحة عامة: من مؤلف العهد القديم؟
- الأناجيل
- القرآن والعلم الحديث
- الروايات القرآنية وروايات التوراة
- مقابلة بين معطيات الكتب المقدسة والمعارف الحديثة
- القرآن والأحاديث النبوية والعلم الحديث
في الأسطر القادمة، استعرض ما علق في ذهني بعد قراءة الكتاب الذي حظي بثلاث نجمات من رصيد أنجمي الخماسي، وباقتباس في نص ساطع كنور الحق (مع كامل الاحترام لحقوق النشر)، كما يلي:
- يستلم المؤلف أسفار موسى الخمس كما صُنفت في التوراة (التكوين، الخروج، اللاويين، العدد، التثنية) بالنقد من مواضع مختلفة، مثل (خلق الكون، ظهور الإنسان، طوفان نوح)، في الوقت الذي يعرض فيه وجهة النظر القرآنية الأكثر منطقية فيما ورد عنها.
- يستعرض المؤلف عدد من التناقضات الواردة في الأناجيل الرئيسية الأربعة (متى، مرقس، لوقا، يوحنا)، والتي تُعتبر الأناجيل القانونية للدين المسيحي، والتي كتبها تلاميذ السيد المسيح بعد حادثة الصلب المزعومة. تتناقض هذه الأناجيل فيما بينها وفي صُلب العقيدة المسيحية، مثل (الاختلاف في نسب السيد المسيح، بعض التواريخ لأحداث معينة، القربان المقدس، صعود السيد المسيح، حديثه والعشاء الأخير). عليه، يستعرض المؤلف درجة المعقولية التي تحظى بها الرواية القرآنية لا سيما فيما يتعلق بنسب السيد المسيح المباشر إلى أمه البتول مريم عليها السلام، وإلى آل عمران كنسب أعرض، وكذلك صعوده إلى السماء المعجز وقد أنجاه الله من مكر القوم ومؤامرة الصلب!. إذاً لا غرابة أن ينتهي المؤلف -وهو نصراني النشأة- بسؤال موضوعي: “أي الأناجيل نصدق”؟ يقول عن هذه المعضلة: “وأما بالنسبة للأناجيل فلا نكاد نفتح الصفحة الأولى منها حتى نجد أنفسنا دفعة واحدة في مواجهة مشكلة خطيرة، ونعني بها شجرة أنساب المسيح. وذلك أن نص إنجيل متى يناقض بشكل جلي إنجيل لوقا، وأن هذا الأخير يقدم لنا صراحة أمراً لا يتفق مع المعارف الحديثة الخاصة بقدم الإنسان على الأرض”.
- ينتقل المؤلف بعد ذلك في إسهاب الحديث عن القرآن الكريم وفضيلة الحث على طلب العلم فيه، والقدر الكبير الذي اشتمل عليه من حقائق علمية تم إثبات صحتها عبر دراسات علمية، حديثة ومستفيضة. في هذا الصدد، يستعرض وجهة النظر الغربية عن الدين الإسلامي التي يشوبها الكثير من الظلامية والتشويه المتعمد في أغلبه، ويرى أن بعض تراجم القرآن الكريم غير الدقيقة قد ساهمت بشكل أو بآخر في هذا التشويه.
- يستعرض المؤلف كذلك عدد من القضايا العلمية المذكورة في القرآن الكريم .. مثل: علم النبات، علم الحيوان، علم الأجنة، علم الفلك، علم الجيولوجيا… وغيرها، محاولاً التأكيد على صحتها من وجهة نظر علمية. يقول: “وقد دفعني ذلك لأتساءل: لو كان كاتب القرآن إنساناً، كيف استطاع في القرن السابع الميلادي أن يكتب ما اتضح أنه يتفق اليوم مع المعارف العلمية الحديثة”؟.
- وفي حين يؤمن المؤلف إيمان قطعي بوحي القرآن الكريم الغيبي، يتعرض بالنقد لبعض الأحاديث المنسوبة إلى النبي الأكرم ﷺ، إذ يرى أن المجهود الذي بُذل في تجميعها وتدوينها يشبه إلى حد ما، ما قام به أصحاب الأناجيل من عملية تدوينها ومن ثم نسبتها إلى معلمهم السيد المسيح عيسى عليه السلام. يقول في موضوع (وجود الروايات الضعيفة في تراثنا) قولاً لا يترجم سوى (عبادة التفكر) وفضيلة إعمال العقل، لا في إبداع الخالق عز وجل وحسب، بل في الدين الذي جاء به ككل، وعلى رأسها الموروث: “وهذه مثلبة في أجيال هذه الأمة الحديثة. فكيف ونحن أمة التوثيق والسند لم نصدر كتب تراثنا منقحة ومصفاة على منهج المحدثين، ونتوسع في طبعاتها ونشرها ونضيق على الضعيف والموضوع الذي يلقى بالشك في قلب من هو حديث عهد بكفر في الصحيح والحسن، فيصدر منه الشطط وأحيانًا يوكل ما لم يستطع فهمه من الصحيح إلى أنه ربما يكون ضعيفاً أو به خطأ في النقل عن رسول الله ﷺ“. وأقول: وإن ما يُسمى بـ (الصحيح) من الموروث، يحتاج إلى عمليات أكبر من التصحيح، تصل إلى درجة الإنكار ومن ثم الرفض القاطع لها!.
رحم الله د. موريس بوكاي وجعل الله ما ترك من علم لإعلاء كلمة الحق في ميزان حسناته .. آمين.
على الهامش: بينما أجد بين ملفاتي نسخة إلكترونية لكتاب آخر للمؤلف يحمل عنوان (أصل الإنسان بين العلم والكتب السماوية) لم أقرأه، أُفاجئ بوجود نسخة ورقية أخرى لهذا الكتاب على أرفف مكتبتي، لكن بإصدار من دار نشر مختلفة هي: (جمعية الدعوة الإسلامية – طرابلس / ليبيا)، ويتكون من 290 صفحة! في الحقيقة، لا أعلم إن كانت النسخة الثانية أضافها أحد افراد العائلة، أم أنني قمت -كعادتي- بشراء نسخة أخرى دون مراجعة أرفف المكتبة!؟.. أحبّذ الاحتمال الأخير.
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
من الذاكرة: كان تسلسل الكتاب (14) ضمن قائمة من (50) كتاب، قرأتها في عام 2018
التعليقات