الكتاب
السرقة من المسلمين (الساراسن): كيف شكلت العمارة الإسلامية أوروبا
المؤلف
الكتاب باللغة الأصلية
Stealing from the Saracens: How Islamic Architecture Shaped Europe - By: Diana Darke
المترجم/المحقق
د. عامر شيخوني
دار النشر
الدار العربية للعلوم ناشرون
الطبعة
(1) 2022
عدد الصفحات
574
النوع
ورقي
تاريخ القراءة
09/09/2024
التصنيف
الموضوع
العمارة الإسلامية تؤصل العمارة المسيحية
درجة التقييم

السرقة من المسلمين (الساراسن): كيف شكلت العمارة الإسلامية أوروبا

كتاب أشبه بسياحة موغلة في عمق التاريخ يتلمس روح العمارة ويستنطق صمت الحجارة الذي أبى إلا أن يصدح بما كان!

بيد أن عنوانه الرئيسي ينطوي على سخرية متبوعة بتحدٍ، حيث عمدت الباحثة إلى استخدام كلمة (الساراسن) المستعارة من كلمة (السارقين) أو (السراقين) في اللغة العربية، في إشارة ضمنية إلى نظرة الأوروبيين الاستعلائية نحو العرب والمسلمين خلال العصور الوسطى، والتي تثير بدورها تهكماً مضاعفاً تجاه السرقة التي ارتكبت -حسب الادعاء- من السارقين أنفسهم، في حين يكشف عنوانه الفرعي عن التحدي الذي أخذته الباحثة على عاتقها في إثبات أثر العمارة الإسلامية على الكاتدرائيات القوطية والعمارة الدينية ككل في كافة أرجاء أوروبا! ولأن (رُب ضارة نافعة)، فقد كان دافع الباحثة في وضع هذا الكتاب هو ردة الفعل العنيفة التي تلقتها بعد بثّها منشوراً إثر الحريق الذي طال كاتدرائية نوتردام في باريس عام 2019، وضحت فيه أصل العمارة القوطية القائم على عمارة شرق المتوسط والأندلس الإسلامية.

تستغرق الباحثة حياة بأكملها لتتحرى عن أصل هذا التأثير التاريخي الذي تحيله إلى عدة روافد، كالتبادل الثقافي الذي زامن الحروب الصليبية، وحروب الاسترداد في صقلية وفي إسبانيا، والاحتكاك الحضاري والتجاري، وغيرها مما حمل الأفراد والتجار والمحاربين على نقل مشاهداتهم لمبانٍ دينية ومدنية إلى أراضيهم. فالعمارة البيزنطية، وعمارة بلاد ما بين النهرين، والكنائس المسيحية الأولى في سوريا، وجامع قرطبة والعمارة الأندلسية، وفنون العمارتين الأموية والعباسية، قد تم نقل عناصرها ابتداءً إلى العمارة الأوروبية في عصورها الوسطى، رافقها فيما بعد تطوراً متدرجاً من نمط قوطي عتيق إلى قوطي حديث، حتى نمط الكاتدرائيات القوطية الفخمة، والتي تتصدر أشهرها في لندن مثل مبنى البرلمان وبرج ساعة بيج بن، وفي باريس مثل كاتدرائية نوتردام وكاتدرائية القلب المقدس. يظهر ذلك النقل المدفوع بالإعجاب جلياً في القباب المضاعفة والأبراج العالية والأقواس المدببة والزجاج الملون المخترق بالضوء الطبيعي، والنوافذ ذات الزخرفة الحجرية، والسقوف ذات الأضلاع، والكثير من أنماط الزخرفة والأناقة والبراعة. وعودة على الكلمة المستخدمة التي اعتقد بها المعماري الانجليزي الشهير في القرن الثامن عشر(كريستوفر رن)، واعترف بالأصل الإسلامي للعمارة القوطية رغم ازدرائه له لنقائصه ورداءته وزخرفاته المسرفة حسب رأيه، فهو لم يزل (سارقاً من الساراسن) في رأي الباحثة، حيث -وإن لم يسرق أسلوبهم- فقد سرق تقنياتهم الهندسية الأكثر تطوراً، غير أن اعترافه بهذا الأصل لهو إقراراً بالإلهام الذي قدمه المسلمين فيما يعتبره الأوروبيين المسيحيين أسلوبهم “المعماري الفريد”، وقد كانوا على ثقة تامة بتفوقهم المسيحي خلال ما اعتبروه حقبتهم الذهبية التي انتصروا فيها على أعدائهم المسلمين، “لدرجة أنه لم تخطر لهم أبداً فكرة أن اختياراتهم المعمارية تمثل في الحقيقة هوية دين آخر .. الدين ذاته الذي اعتبروه عدواً، واتخذوا هذه الأنماط المعمارية ببساطة على أنها أنماط مسيحية”.

وهي إذ تناكف مواطنها المعماري رن -وقد قضى- في مقارنته بالمعماري المسلم سنان، فالباحثة لا تستبعد “صرخات اعتراض عالية في بعض الأماكن” وهي تعقد تشابهاً معمارياً بين برج ساعة بيج بن الإنجليزي والمئذنة السلجوقية في حلب. ثم تقول في نبرة يشوبها الفخر: “لقد أُتيحت لي الفرصة مرات كثيرة منذ سبعينيات القرن العشرين لزيارة أبنية، مُوزّعة فيما هي الآن دول: سورية والأردن ولبنان وفلسطين وإسرائيل وتركيا، مثل الجامع الأموي الكبير بدمشق، وقبة الصخرة الأموية، وقصور الصحراء الأموية، ومدينة عنجَر الأموية. تمكنت من لمس حجارتها والتشبع برحيقها. ولكن بفضل رن عندما أنظر الآن إلى الأقواس الثلاثية الفصوص والنوافذ المدببة في كثير من كنائسنا وكاتدرائياتنا، وسقف المروحة، ومواضع الجوقة ذات الخشب المحفور بإتقان، والغنية بأغصان الكرمة الملتفة والأوراق الرشيقة والفاكهة الناضجة، أنظر إليها بعيون جديدة، وأقدرها بشكل أكثر عمقاً، لأن معرفة أُصولها قد زادت إدراكي عمقاً. أرى الآن ما يكمن وراءها، وما الذي تمثّله”.

تنتهي الباحثة بالتأكيد على أن العمارة في حد ذاتها هي تعبير حضاري إنساني بارز كالفكر والفلسفة والفنون والآداب والعلاقات الاجتماعية، وهي صورة ذاتية من ناحية وهوية قومية من ناحية أخرى، وهي لبنة في بناء الحضارات الإنسانية التي تتوالى كل منها على ما سبقها من إنجازات، حيث تستمر وتتطور وتتفاعل وتتلاحم وتتراكم بما يكفل خلق مجتمعات حضارية أكثر تماسكاً وتكاملاً وإنسانية، وما كان القصد من كتابها إثارة صراعات أو تنافس أو نعرات، “إنما هو دعوة للتعارف وللتلاقي بين الشعوب والثقافات والحضارات وأنماط العمارة”.

أما عنها، فهي (ديانا دارك 1956)، كاتبة ومؤرّخة ومستعرِبة بريطانية. درست اللغة الألمانية والفلسفة العربية في جامعة أكسفورد، وعكفت على البحث العلمي في الآثار والعمارة لا سيما في الشرق الأوسط، وبالأخص في سوريا التي أحبتها واتخذت من بيت قديم في أحد أحياء دمشق الأثرية سكناً لها. أما مترجم كتابها، فهو (د. عامر شيخوني) أحد رواد جراحات القلب العرب، حيث -كما تذكر شبكة المعلومات- تخرج في كلية الطب بمدينة حلب، واستكمل دراسته في جراحة القلب في أميركا، ثم عمله كأستاذ مساعد في الجامعة الطبية بكارولاينا الجنوبية الأمريكية. وهو إضافة إلى تخصصه المهني، فمترجم وكاتب، حيث عني بترجمة الكثير من الكتب الإنجليزية إلى العربية، وبتأليف عدد من الكتب ونشر المقالات العلمية والأدبية.

وبعد مقدمتي المترجم والباحثة، تعرض صفحة المحتويات مادة الكتاب في عشرة فصول، تنتهي بصفحات الخاتمة والمصادر والمصطلحات، وقد نال ثلاثاً من رصيد أنجمي الخماسي .. والفصول هي:

  • الفصل الأول: كريستوفر رن
  • الفصل الثاني: العمارة القوطية
  • الفصل الثالث: ميراث ما قبل الإسلام
  • الفصل الرابع: الإمبراطورية الإسلامية الأولى
  • الفصل الخامس: الأندلس
  • الفصل السادس: الخلافتان العباسية والفاطمية
  • الفصل السابع: بوابات إلى أوروبا
  • الفصل الثامن: السلاجقة، العثمانيون والمعمار سنان
  • الفصل التاسع: الإحياء
  • الفصل العاشر: سمات معمارية إسلامية مهمة

ومن الكتاب الذي جاء في ترجمة متقنة من نصّه الأصلي (Stealing from the Saracens: How Islamic Architecture Shaped Europe – By: Diana Darke)، ويزدان بصور فخيمة للعمارة القديمة والحديثة، ألتقط ما جال في ذهني بعد القراءة، وباقتباس في نص عبق (مع كامل الاحترام لحقوق النشر):

  • بينما تعرض الباحثة تصميم المعماري رن لسقف مسرح شلدون التاريخي في مدينة أكسفورد، تقول في (الفصل الأول: كريستوفر رن): إن رِن وزملاءه من الفلاسفة التجريبيين أدركوا أن المعرفة، التي فُقِدَتْ في عصور الظلام الأوروبية، قد أصبح العرب روادها قبل ذلك بقرون منذ حوالي سنة 1000، وأنها قد تطورت إلى مستويات عالية جداً. ذكر رن تقديره لهذه المعرفة بوضوح حينما كتب بعد ذلك بكثير كمهندس معماري بينما كان يعمل على كاتدرائية سانت بول: (لم يكن العرب بحاجة للهندسة في ذلك العصر، وكذلك المورز الذين ترجموا معظم الكتب الإغريقية القديمة المفيدة)“.
  • ثم تنقل عن مؤرخ القرن العشرين الإنجليزي (ألفريد بتلر) أثناء دراسته المكثّفة للكنائس الأولى في سوريا: لا بد أن الفن السوري قد لعب دوراً مميزاً في القرون المسيحية الأولى، مؤثراً على البناء والثقافة والفن في أوروبا الغربية، لأنه عندما كانت العمارة السورية في أوج ازدهارها، كانت فرنسا وإيطاليا مليئة بالسوريين -من التجار ورجال الدين- الذين شغلوا مناصب بارزة في الحياة الاقتصادية والدينية في الغرب. لا نقرأ عن ذلك في السجلات الكنسية، ويرجع ذلك بشكل كبير إلى أن حرفهم وأعمالهم لم تُعتبر مهمة لدرجة تستدعي تسجيلها، ومع ذلك فنحن نعلم أن البنّاء المتجول كان شخصية معروفة في الصنعة. لا بد وأن عمالاً سوريين قد ساعدوا على إعادة إحياء فن العمارة في أوروبا“.
  • يحافظ المسلمون في مدينة القدس بعد فتحها على كنيسة القيامة مسيحية، وكذلك كافة المراكز المسيحية في المدينة، وقد منعوا استخدامها كمنازل للسكن، على عكس ما قام به الفرس الساسانيون من إحراق الكنيسة وسرقة صليبها بعد احتلالها في القرن السابع للميلاد. تستمر في (الفصل الرابع: الإمبراطورية الإسلامية الأولى) لتقول عن (قبة الصخرة) وقد أشارت إلى بيتها في دمشق الذي يتوسط ساحته بركة مثمّنة، والذي فسّره لها بعض المعماريون المحليون كرمز قرآني مأخوذ من سورة الرحمن: يُعتبر مسجد قبة الصخرة في القدس أول تصريح معماري وسياسي إسلامي يُعبر عن سيطرتها في عالم مسيحي سابق، ويعتبر مؤرخون غربيون هذا الصرح البديع بناءً بيزنطياً في أسس عناصره المعمارية. ولكن، على الرغم من أن شكله المثمن ذي القبة مُستوحى فعلاً من نُصُب الشهداء المسيحيين، وأن ممراته الداخلية ذات الأعمدة ربما تكون مستوحاة من كنيسة بصرى التي بنيت في القرن السادس، إلا أن التشابه ينتهي عند ذلك، لأن الفسيفساء الملونة على سطوحه الخارجية بهذه الطريقة الاستثنائية لا تُشاهد في أي بناء بيزنطي، إنها الأولى. يُظهر البناء أيضاً إبداعين مهمين لم يُشاهد مثلهما من قبل في العمارة المسيحية: القوس المدبب والقوس الثلاثي الفصوص، سرعان ما تم تبني هذين الإبداعين بحماس في المسيحية حتى أصبحا من السمات المعمارية المميزة للكنائس والكاتدرائيات المسيحية القوطية. هناك معنى خاص للشكل المثمن في الإسلام أيضاً، لأن التعبير عن مفهوم الجنة يمكن أن يُقدم بشكل ثمان حدائق لها ثمانية أبواب، ولذا فإن جميع نوافير الساحات الداخلية في عمارة البيوت الإسلامية ذات شكل مثمن الأضلاع“.

 

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

نقلاً عن المفكرة: جاء تسلسل الكتاب (93) ضمن قائمة لا تنتهي من الكتب التي خصصتها لعام 2024، والذي أرجو أن يكون استثنائياً في جودة الكتب التي سأحظى بقراءتها فيه، وهو في الترتيب (1) ضمن ما قرأت خلال سبتمبر! أما عن اقتنائه، فقد حصلت عليه من معرض للكتاب في إحدى المدن العربية عام 2023 ضمن (400) كتاب كانوا حصيلة مشترياتي من ذلك المعرض!

ملاحظة: على الرغم من سلاسة الكتاب الضخم، فقد يكون موجهاً بشكل أكبر نحو المتخصصين أو الباحثين أو المهتمين في مجال العمارة، حيث يشوبه الكثير من المعلومات التقنية والمهنية والهندسية، فضلاً عن عرضه جانباً موسعاً من التاريخ المرتبط بالضرورة بفنون العمارة التي سادت فيه.

ومن فعاليات الشهر: لا شيء سوى مواصلة النهار بالليل في القراءة وحدها .. وكأنه حلم تحقق!

ومن الكتب التي قرأتها في هذا الشهر: أنا والكتب / خطاب العنف وعنف الخطاب / مجتمع الاحتراق النفسي / اشف جسدك / كون عقلك / الاعتذار

تسلسل الكتاب على المدونة: 543

تاريخ النشر: سبتمبر 20, 2024

عدد القراءات:59 قراءة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *