مراجعة صوتية .. كتاب / تاريخ القراءة
“التاريخ الحقيقي للقراءة هو في الواقع تاريخ كل قارئ مع القراءة”.
….. هكذا، ينتقل ألبرتو مانغويل -والطموح يملأ قلبه- من حكايته كقارئ، إلى القراءة كتاريخ عريق ارتبط به.
رواية مرهفة الحس ذكية الحبكة عظيمة المغزى .. اختزلت فيها المؤلفة العبقرية مجموعة من أعقد ما يمكن أن يعصف بالنفس البشرية من إحباط وفشل وقلق وصراع واضطراب، في حلول لا تتعدى عبارات موجزة (كليشيهات) .. صيغت بحكمة ورونق ودقّة، كفيلة بأن تشحذ الهمة وعزيمة النهوض من جديد لمواصلة الحياة. لم تكن وحدها الكليشيهات، بل إنها جاءت كتتويج لبرنامج حياتي شاق صمّمه الروتينولوجي (كلود) لمندوبة المبيعات (كاميل) بعناية وبمتابعة مباشرة منه، في الوقت الذي حرص فيه على إخراجها من تلك الشرنقة التي لفّها القلق والحنق والإحباط بين عملها وعائلتها، إلى رحابة الأفق التي حقّقت فيه نجاحاً باهراً في إدارة مشروعها الخاص، وحب متجدد متدفق نحو طفلها وزوجها.
بعبارة أخرى .. هي رواية تعرض برنامج متكامل في تنمية الذات من خلال بطليها الرئيسيين: الروتينولوجي (كلود) المدرب المحنك، ومندوبة المبيعات (كاميل) المحبطة المشتتة .. وهو البرنامج الذي ينتهي بمشهد سيدة أعمال واعدة وربة أسرة ناجحة، بعد أن كاد (داء الروتين الحاد) يفتك بحياتها وحياة أسرتها وعملها في مصير بائس مشترك.
وعلى قدر ما جاءت خاتمة الرواية صادمة على مستوى بطليها الرئيسيين، فقد أثرت المعنى العميق للهدف الذي وُضعت من أجله، إذ يحمل كل فرد الداء والدواء معاً، حتى إذا تمكّن داء (الإحباط) من التوغل في النفس، اندفع دواء (الإرادة) من داخل تلك النفس ليقهر ما دونه وينتصر .. وكل هذا على معترك نفس واحدة (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا).
عليه، ليست (رافاييل جيوردانو) سوى كاتبة ملهمة، وقد أشار التعريف الشخصي في فهرس الرواية إلى تخصصها في مجال التدريب الإبداعي، وعلم النفس الذي كان “اختصاصها الكبير الآخر” حسب التعبير المذكور. وهي تروي روايتها في خمس وثلاثين فصلاً بلا عنوان، وتختمها بـ (فهرس صغير حول علم الروتين) يحتوي على عدد من المصطلحات الواردة في الرواية مع تعريف مبسط لكل منها.
تظفر الرواية بأربع نجمات من رصيد أنجمي الخماسي، والتي أقتطف من بعض أزهارها ما راق لي، وباقتباس في نص مشرق (مع كامل الاحترام لحقوق النشر) كما يلي:
وعلى هامش المادة الأدبية، جاءت ترجمة الرواية من نسختها الأصلية (Ta deuxième vie commence quand tu comprends que tu n’en as qu’une – By: Raphaëlle Giordano) متقنة جداً، على عكس الكثير من الترجمات الحرفية التي تزخر بها المكتبة العربية في الآونة الأخيرة، وقد ضاعف من حِرفية الترجمة القدرة على ترجمة الإحساس العام للرواية وأبطالها، ما عزز من روعة الجانب الإنساني بها، على وجه الخصوص.
ختاماً، لا أتردد عادة في شيء كترددي في قراءة رواية، غير أن صديقتي المخلصة التي قررت إهدائي هذه مع اعتذار لطيف لعلمها المسبق من موقفي تجاه أدب الرواية ككل، فقد كان عنوان الرواية مبرراً كافياً لها حتى تلتقط نسختين .. لي ولها!. بعد قراءتي للرواية كُرمى لـ (هالة)، لم أجدها رواية تقليدية، إنما برنامج عملي في تنمية الذات .. وعلى الرغم من تطابق موقفي من الرواية مع صيحات التنمية، فقد كان برنامجاً ممنهجاً يتخلله من رقة التعبير وإيجاز الكلمة وقوة الحكمة ما يحيلها إلى ومضات، تلتقطها النفس التي لا تزال تنظر للبصيص من النور كشمس ساطعة، في إيجابية واندفاع وتفاؤل وأمل نحو حياة أكثر رحابة .. في العمل والنجاح والحب والعطاء بلا حدود.
وهنا استحضر قول مرهف للأديب الفرنسي (دانيال بناك) في كتابه (متعة القراءة) حيث قال: “عندما يعطينا شخص عزيز كتاباً لنقرأه، فإننا نبحث قبل كل شيء عن هذا الكائن العزيز في السطور .. نبحث عن علامات الأخوة، ثم يأخذنا الكتاب فننسى من جعلنا نغرق فيه” .. وليست هالة بالتي تُنسى ♥
إنها رواية رقيقة ترسم طريق الحياة بعلم ومنهجية وروح الأمل ..
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
من الذاكرة: جاء تسلسل الرواية (59) في قائمة ضمت (85) كتاب قرأتهم عام 2019 تتضمن أربعة كتب لم أتم قراءتها، على الرغم من أن العدد الذي جعلته في موضع تحدٍ للعام كان (80) كتاب فقط! وهي خامس مؤَلف اقرأه في شهر سبتمبر من بين ستة .. وقد وصلني كهدية عزيزة من صديقة أعزّ في وقت لم أكن أحتاج فيه سوى لتلك الدفقة من الحياة .. إنه (قانون الجذب) لا محالة.
ومن فعاليات الشهر: قضيت الأيام الأولى منه في زيارة قصيرة إلى مدينة لشبونة عاصمة البرتغال .. احتجت إليها بشدة من أجل الابتعاد والاسترخاء وممارسة القراءة في هدوء .. وفعلت! حيث الشاطئ والشمس والمعزوفات الموسيقية الحية، والممشى تحت قوس النصر في جادة روا أوغستا، وحيوية الحي والسيّاح والساكنين، وأطباق الطعام الأقرب إلى نكهة المطبخ العربي، فضلاً عن ملاقاة بعض الأصدقاء المحليين .. غير أن أزمة الصداع النصفي باغتتني على غير ما هو متوقع، فاضطررت للعودة إلى الديار بأسرع مما خططت وتمنيت!. لقد كانت تلك الرحلة هي الأخيرة التي قمت بها قبل جائحة كورونا العالمية التي فرضت الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي وحظر السفر وموانع مشدّدة أخرى .. علّ الحياة تعود من جديد، وأعود!.
تسلسل الرواية على المدونة: 172
تاريخ النشر: مايو 5, 2022
عدد القراءات:1171 قراءة
صباحك فل مها
والاجمل من الرواية ،، التعليق كالعادة❤️
احسنتي اختيار الومضات عزيزتي ،،، انها العبقرية و الفكر الرفيع …. اصبتي و أجدتي ….🌹
صباحك ياسمين هالة
وأحسنت اختيار الرواية .. أصاب حدسك، وما أجمل قولك