الكتاب
دكان التبغ: وقصائد أخرى
المؤلف
الكتاب باللغة الأصلية
Tabacaria - By: Fernando Pessoa
المترجم/المحقق
إسكندر حبش
دار النشر
خطوط وظلال للنشر والتوزيع
الطبعة
(1) 2021
عدد الصفحات
98
النوع
ورقي
تاريخ القراءة
08/30/2022
التصنيف
الموضوع
خواطر في الحياة واقعية .. أقرب إلى التشاؤم
درجة التقييم

دكان التبغ: وقصائد أخرى

يكتب شاعر البرتغال الأول خواطره في الحياة، من خلال نظرة واقعية يخيّم عليها شبح تشاؤمي جاثم، مع نتف من أمل ووميض من نور .. وهو من الروح المتعددة الأبعاد والأفق الخلّاق وعمق الفكر والفلسفة، ما يجعله يخلق شخصيات مستقلة تكتب بتفرّد عن الموت والحياة وما بينهما .. في رؤية تتغاير كلية عند كل شخصية عن الأخرى، بل وتتغاير عنه في أسلوبه الأدبي الخالص!.

إذاً، إنه ديوان شعري من أرض البرتغال أو (أرض الشعراء) كما تُعرف، والتي يصطبغ شعرها بطابع نوستالجي مميز أكثر ما يظهر في موسيقى (الفادو)، التي تعني بالبرتغالية (القدر)، والتي يقال أنها تعود إلى أصل عربي أندلسي، يصدح بها في حنين ظاهر مطربين في هيئة بوهيمية .. وهذا الديوان يكتبه أنطونيو فرناندو بيسوا (1888 : 1935)، أعظم شعراء البرتغال الذي يُصنف ضمن أهم الشخصيات الأدبية في القرن العشرين، وهو كذلك فيلسوف وكاتب ومترجم وناقد أدبي. وبالإضافة إلى إصداراته المنشورة، وحسب إحصائية دقيقة عن إحدى دور النشر البرتغالية، فقد ترك بيسوا عند وفاته سبع وعشرون ألف وخمسمائة وثلاث وأربعون مخطوطة غير منشورة، ضمّنها أشعاره وفلسفته وآرائه ومسرحياته وترجماته، لذا، لا غرابة أن يعتبر بيسوا قصيدته المعنونة بـ (دكان التبغ) غير ذات شأن! هذا فضلاً عمّا تنقله شبكة المعلومات عن الخرائط التي تصف تلك الشخصيات الأدبية التي خلقها بتوجهاتها الفكرية المختلفة، ووضع عنها إصداراتها المستقلة، والتي وصلت إلى نحو ثمانين شخصية متفرّدة، وهي محفوظة اليوم في (أرشيف بيسوا) في مكتبة لشبونة الوطنية، وله نصب تذكاري وهو جالس خارج مقهى كان يتردد عليه، في عاصمة بلاده.

ومن دون أدنى شك، يمتلك بيسوا الاسم الأكثر حضوراً على خارطة الشعر البرتغالي، وهو الشاعر الكبير الذي صاغ قارة شعرية ورسم موقعه الشخصي فوقها بتميّز، جعلت الشعراء الذين جاءوا من بعده يسيرون وفق دروبها، فضلاً عن حضوره من خلال (البدلاء) أو بمعنى أدق، الأسماء المستعارة العديدة والمتعددة التي اخترعها وكتب من خلالها، في ظل أجواء شعرية استمر تأثيرها طويلاً، حتى ظهر جيل جديد من الشعراء الذين عملوا على تجاوز حدود خارطته، الأمر الذي ساهم في استحداث تيارات كتابية وشعرية مختلفة، تتجاوز القديم دون أن تلغيه .. وكل ذلك ضمن مناخ برتغالي عاشقاً للشعر.

وفي مقدمة الديوان (Tabacaria – By: Fernando Pessoa) الذي نال نجمتين من رصيد أنجمي الخماسي، يقرر المترجم الجذور التي رسّخها بيسوا في أرض البرتغال الشعرية، وكأنها كانت ضحلة التربة فأراد حرثها وبسخاء! من هنا تعددت اسمائه وشخوصه التي تحدثت جميعها عن رؤاه البانورامية. فيقول: “لقد اخترع بيسوا إذا عالماً متكاملاً (في الكتابة طبعاً) كما اخترع قيمة ومجموعة أدبية لا تقتصران على اسم معين أو عمل ما، لكنهما موسومان بالتعدد، كما لو أن خلف هذه الاختراعات كان يختفي عند بيسوا، ذلك الشعور المكبوت بنقص أدب عصره، مما جعله في النتيجة، يسعى إلى إغنائه، وربما إلى تحويله. من هنا نجد أن بيسوا وبدلاءه، هم المحاولة الجذرية التي تنطلق من شخص واحد لتأسيس كوكبة أدبية، تعبر عن وجهات نظر وكتابات مختلفة (شعر، نثر، نقد، صحافة، أدب، كلمات متقاطعة، قراءة أفلاك …)، ولغات عدة (كتب بيسوا بالبرتغالية والانكليزية والفرنسية بالرغم من أن مستواها كان متفاوتاً). إزاء ذلك، نستطيع القول إن العمل لم يكن الإنسان نفسه أي لم يكن منحدراً جينياً ليشكل جزءاً من السيرة الذاتية، بل كان (أي العمل) كما البديل، يأتي «من الكاتب خارج شخصه» مثلما أكد بيسوا مراراً، أو مثلما يقول الشاعر المكسيكي أوكتافيو باث، وبشكل مقتضب: «ليس للشعراء من سير، أشعارهم هي سيرتهم الذاتية»”.

وبالإضافة إلى هذا الاقتباس، أقتبس من جديد في نص سريالي (مع كامل الاحترام لحقوق النشر) أبيات من قصائد الديوان التي بلغت خمس وخمسين قصيدة، كما يلي:

قصيدة (دكان التبغ):

كم يبدو الشاعر سوداوياً وهو يعتقد أنه لا شيء، رغم أنه يرفض لا شيئيته تلك وهو يحمل في نفسه كل أحلام العالم .. إن نافذة غرفته ليست إلا واحدة ضمن ملايين، وهو يقبع خلفها، لا يعرفه أحد! لقد أصبح مهزوماً اليوم كما لو أنه عرف الحقيقة .. وواضحاً، كما لو أنه على وشك الموت. وفي أبيات، يرثي شعوره بالعدم بينما يدين لدكان التبغ الذي بدى أكثر واقعية .. في لغة فلسفية وجودية تشاؤمية، فيقول:

مرتبك أنا اليوم .. كذاك الذي فكر ووجد ومن ثم نسي

محتار أنا اليوم .. ما بين إخلاصي المدين به

لدكان التبغ في الجهة المقابلة -بكونه شيئا واقعياً- من الخارج

وبين هذا الإحساس بأن كل شيء مجرد حلم .. بكونه شيئاً واقعياً يرى من الداخل

قصيدة (البعض .. أعينهم):

يبدو تفاؤلياً وهو يدعو إلى أن يعيش المرء اللحظة الراهنة على طريقة المعلمين الروحانيين، فهي أقرب من الماضي المتكتم على خبايا، ومن المستقبل المستشرف لطموح جامح .. وحيث بنفس النَفَس يحيا المرء ويموت، فليهنئ بالنهار بل وليندمج به كليةً .. فيكون هو نفسه نهاراً مشرقاً.

البعض، تستدير أعينهم نحو الماضي

يرون ما لا يرى آخرون

هي الأعين ذاتها المثبتة نحو المستقبل

يرون ما لا يمكن أن يرى

لمَ الذهاب لنضع بعيداً ما هو قريب

اليوم الحقيقي الذي نراه؟

سنموت من النفس عينه الذي به نعيش

اقطف النهار، لأنك أنت النهار

قصيدة (بين العيش والوجود):

يبدو انهزامياً أمام الحياة التي لا تضيف شرفاً لمن عرفها! إنها لا تثبت، بل تتغير على مدار الساعة، وهي لا تأبه حين تمرّ على المرء .. على واقعه وفي كيانه!

غير مجيدة هي الحياة، لا مجد في معرفتها

كم أنهم، حين يفكرون، لا يتعرفون على بعضهم

مثلما كانوا حين عرفوا بعضهم

في كل ساعة، بالنسبة إلينا، تتغير لا الساعة وحدها

بل ما كنا نظنه في هذه الساعة

والحياة تمرّ

بين العيش والوجود

وعلى مكتبتي للشاعر إضافة إلى (دكان التبغ: وقصائد أخرى)، إصدارات أخرى، هي: (الباب وقصص أخرى / حوارات حول الطغيان: ونصوص أخرى / كتاب اللاطمأنينة). أما من الشعر البرتغالي، فأمتلك ديوانين آخرين، هما: (الحياة في خريطة) للشاعر (نونو جوديس)، و (أجمع الذكريات كي أموت)، ويضم قصائد لاثنان وثلاثون شاعراً برتغالياً معاصراً.

وأختم بما راق لي من خواتيم قصيدة (اتبع قدرك) في حياة المرء بذاته وببساطتها .. حيث الصفاء والعظمة مجتمعان:

أن تعيش وحدك أمر ناعم

أن تعيش ببساطة

دائماً .. هو أمر نبيل وعظيم

 

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

نقلاً من المفكّرة: جاء تسلسل الكتاب (19) في قائمة لا تنتهي من الكتب التي خصصتها لهذا العام .. 2022، وقد حصلت عليه من معرض للكتاب في إحدى المدن العربية خلال العام، ضمن (120) كتاب تقريباً كانوا حصيلة مشترياتي من ذلك المعرض.

أنشطة شهر أغسطس: استأنفت القراءة بعد انقطاع عدة أشهر لاستكمال مهمة ما .. وكأني تنفست الصعداء من جديد، وقد قرأت فيه خمسة كتب أخرى إضافة إلى هذا الكتاب!

تسلسل الديوان على المدونة: 350

تاريخ النشر: أغسطس 30, 2022

عدد القراءات:493 قراءة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *